عدد المساهمات : 61 نقاط : 5727 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/09/2009
موضوع: سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم اهتداء و اقتداء الأحد أكتوبر 04, 2009 11:52 pm
إخوة الإيمان: لم تكن حاجة الأمة في عصرٍ ما إلى معرفة السيرة العطرة معرفة اهتداءٍ واقتداء أشد إليها من هذا العصر الذي تقاذفت فيه الأمة أمواج المحن، وتشابكت فيه حلقات الفتن، وغلبت فيه الأهواء، واستحكمت الزعوم والآراء، وواجهت فيه الأمة ألواناً من التحديات، وصنوفاً من المؤامرات، من قبل أعداء الإسلام على اختلاف مللهم ونحلهم..
ومن الناس من نظر إلى السيرة النبوية على أنها قصصٌ تورد، وروايات تسرد، دون متابعة واقتداء فلا تحرك قلوباً، ولا تستثير همماً...فجنح بعض المسلمين إلى مثل هذا اللون في الإفصاح عن تعلقهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم إلا يوم أن زهدوا في الثوابت واليقينيات، وانبهروا بالمظاهر والشكليات، وتركت نفوسهم الجد والعزمات، واستسلمت للتواني والدونيات، فالجهد الذي يتطلب العزائم هو: الاستمساك والاقتداء، فينهض المسلم الجاد إلى تقويم نفسه وإصلاح شأنه؛ حتى يحقق الاقتداء والاهتداء برسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى يترجم تلك الدعاوى إلى واقعٍ عملي في كل شئونه.. في معاشه ومعاده، في حربه وسلمه، في علمه وعمله، في عباداته ومعاملاته.. وإن تحويل الإسلام إلى هزٍ للرءوس، وجمود على مظاهر وطقوس، يصاحب ذلك تعلقٌ بأذكارٍ وتسابيح، وترنمٌ بقصائد وتواشيح؛ لشيءٌ عجيب يحار العقل في قبوله!
والأدهى من ذلك أن تكون هذه الأمور معايير لصدق المحبة وعدمها، ومقاييس يُرمى كل من تركها واستبان عوارها بتنقصه لجناب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.. وتلك شنشنة معروفة من أخزم، فحب رسولنا صلى الله عليه وسلم يتغلغل في أعماق نفوسنا، ويتربع في سويداء قلوبنا، ولا يغيب حبه إلا من قلب أهل النفاق والزندقة، ونشهد الله الذي لا إله غيره أنه أحب إلينا من أنفسنا ووالدينا وأولادنا والناس أجمعين.. كيف لا ومحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم دينٌ يدين لله بها كل من تشرف للإسلام؟! بل لا يستحق أحدٌ شرف الإيمان إلا بتحقيقها، يقول صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين } خرَّجه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه .
ومن الأسف أن أعداء الملة وخصوم السنة وسماسرة الخرافة، تمكنوا في غفلة من المصلحين أن يصدعوا البناء، ويشوبوا الصفاء، ويكدروا النقاء، ويتركوا دينهم لعباً ولهواً.. (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) [الأنعام:70].
فكيف -يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم- يترك ميراث النبوة نهباً للعوادي؟! وكيف يكون التبديل والتغيير في دين الله في غفلة وسكون؟! وكيف يمهد للجاهلية الأولى أن تعود من جديد؟!
ألا فليفقه المسلمون سيرة رسولهم صلى الله عليه وسلم فقهاً مؤصلاً بالدليل والبرهان، والسير على منهج سلف الأمة رحمهم الله، قبل أن تأخذ السبل الملتوية بهم فتطيح بهم بعيداً عن جادة الحق والهدى (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً )[الكهف:104].
أمة الإسلام: لقد جربت الأمة مظاهر وشكليات بعد انحسار القرون الثلاثة المفضلة، فلم تحقق عزة، ولم تورث منعاً، ولم تعد مقدسات، وإذا كانت الأمة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها تتحدث عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فكيف يطيب الحديث والذكريات؟ وكيف يحلو الكلام والمناسبات ومقدسات المسلمين يعيث فيها أعداء الإسلام والمسلمين؟
كيف يجمد الحديد وأعداء الإسلام من الملحدين يصرون على صلفهم وعدوانهم ضد إخواننا في الشيشان المجاهدة؟ كيف يحلو الكلام وأعداء الإسلام من الوثنيين يمعنون في حقدهم السافر ضد إخواننا في كشمير ؟ كيف... وكيف ... وقضايا المسلمين معلقة وأوضاعهم متردية إلا من رحم الله؟ ألا حق أن نذرف الدموع الحراء على أحوال السنة الغراء!
إن الأمة بحاجة ماسة إلى تجديد المسار، وتصحيح المواقف، والوقوف طويلاً للمحاسبة والمراجعة، نريد من مطالعة السيرة ما يزيد الإيمان، ويزكي السريرة، ويعلو بالأخلاق، ويسمو بالقيم، ويقوم المسيرة.
ويخطئ كثيراً من يظن أن انتكاسات الأمم، وهزائم الشعوب، وزوال الحضارات؛ راجعٌ إلى ضعفٍ مادي، أو نقصٍ حربي أو تقني؛ ولكن الحقيقة أن ذلك راجع إلى التفريط في الثوابت ودخول النقص في المبادئ والمعتقدات.
إن عز الأمة وسعادتها وصلاحها وهدايتها مرهونٌ باتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشواهد ذلك جلية في نصوص الشرع وحوادث التاريخ.
فيوم أن كانت الأمة متمسكة بإسلامها الحق، مهتدية بنور الوحيين، مقتفية آثار النبوة؛ دانت لها المشارق والمغارب، وتحققت لها العزة والمجد المؤثل، والشرف المؤصل.. اجتمعت كلمتها، وتوحدت صفوفها، ولم تجد البدع والأهواء طريقاً إلى مجتمعها.. وتمر القرون، وتمضي الأعصار والسنون، وتبتلى هذه الأمة بالفرقة والاختلاف في أمور دينها، حتى تسربت إلى صفوف الأمة ألوانٌ من العقائد المنحرفة، وتسللت عبر الحصون ضروبٌ من الطوق الفاسدة التي تشوش على الأمة في أعز ما تملك في عقيدتها، واتباعها وحبها لرسولها صلى الله عليه وسلم، وأضل سرادق الخرافة عقول كثيرٍ من أبناء أهل الديانة، مما يجسد المسئولية على حماة السنة وحراس الملة أن يهبوا من رقدتهم، ويبذلوا مزيداً من الجهود المنسقة في الدعوة إلى الكتاب والسنة، والتحذير مما يخالفها، والذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تعلماً وتعليماً، ودعوة وجهاداً.
يقول الإمام النيسابوري رحمه الله: الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله.
ألم يئن الأوان -يا أمة الإسلام- أن تجتمع القلوب، وتتوحد الدروب على الكتاب والسنة بمنهج سلف الأمة ؟ وإذا كانت الأمة تعيش عصر الانفتاح والعولمة فإن ترميم بنائها من الداخل ضمانة -بإذن الله- لوجود الحصانة من التأثير السلبي ضد عقيدة الأمة وقيمها ومثلها، ولن يكون ذلك إلا بتحقيق الاتباع، والحذر من الابتداع، ولو كان خيراً لسبقونا إليه والله المستعان!
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )[التوبة:128-129]. بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو البر الرحيم.